فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{فَمَنْ أَبْصَرَ} أي الحقَّ بتلك البصائرِ وآمن به {فَلِنَفْسِهِ} أي فلنفسه أبصر، أو فإبصارُه لنفسه لأن نفعَه مخصوصٌ بها {وَمَنْ عَمِىَ} أي ومن لم يبصر الحقَّ بعد ما ظهر له بتلك البصائرِ ظهورًا بيِّنًا وضلَّ عنه، وإنما عبّر عنه بالعمى تقبيحًا له وتنفيرًا عنه {فَعَلَيْهَا} أي فعليها عمِي أو فعَماهُ عليها أو وبالُ عملِه {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} وإنما أنا منذر، والله هو الذي يحفظ أعمالَكم ويجازيكم عليها. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَمَنْ أَبْصَرَ} أي الحق بتلك البصائر وآمن به {فَلِنَفْسِهِ} أي فلنفسه أبصر كما نقل عن الكلبي وتبعه الزمخشري أو فإبصاره لنفسه كما اختاره أبو حيان لما ستعلم قريبًا إن شاء الله تعالى.
والمراد على القولين أن نفع ذلك يعود إليه.
{وَمَنْ عَمِىَ} أي ومن لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك البصائر ظهورًا بينًا وضل عنه، وإنما عبر عنه بالعمى تنفيرًا عنه {فَعَلَيْهَا} عمى أو فعماه عليها أي وبال ذلك عليها، وهما قولان لمن تقدم.
وذكر أبو حيان أن تقدير المصدر أولى لوجهين: أحدهما: أن المحذوف يكون مفردًا لا جملة ويكون الجار والمجرور عمدة لا فضلة.
والثاني: أنه لو كان المقدر فعلا لم تدخل الفاء سواء كانت من شرطية أو موصولة لامتناعها في الماضي.
وتعقب بأن تقدير الفعل يترجح لتقدم فعل ملفوظ به وكان أقوى في الدلالة، وأيضًا أن في تقديره المعمول المؤذن بالاختصاص، وأيضًا ما ذكر في الوجه الثاني غير لازم لأنه لم يقدر الفعل موليًا لفاء الجواب بل قدر معمول الفعل الماضي مقدمًا ولابد فيه من الفاء فلو قلت: من أكرم زيدًا فلنفسه أكرمه لم يكن بد من الفاء.
نعم لم يعهد تعدية عمي بعلى وهو لازم التقدير السابق في الجملة الثانية وكأنه لذلك عدل عنه بعضهم بعد أن وافق في الأول إلى قوله: فعليها وباله {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} وإنما أنا منذر والله تعالى هو الذي يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فمن أبصر فلنفسه} {أبصر} أي من عَلِم الحقّ فقد عَلِم علمًا ينفع نفسه، {ومن عمي} أي ضلّ عن الحقّ فقد ضلّ ضَلالًا وزره على نفسه.
فاستعير الإبصار في قوله: {أبصر} للعلم بالحقّ والعمللِ به لأنّ المهتدي بهذا الهدي الواردِ من الله بمنزلة الّذي نُوّر له الطّريق بالبدر أو غيره، فأبصره وسار فيه، وبهذا الاعتبار يجوز أن يكون {أبصر} تمثيلًا موجزًا ضمّن فيه تشبيه هيئة المرشَد إلى الحقّ إذا عمِل بها أرشِد به، بهيئة المبصر إذا انتفع ببصره.
واستعير العمى في قوله: {عَمِيَ} للمكابرة والاستمرار على الضّلال بعد حصول ما شأنه أن يُقلعه لأنّ المكابر بعد ذلك كالأعمى لا ينتفع بإنارة طريق ولا بهَدْي هاد خِرّيتتٍ.
ويجوز اعتبار التمّثيليّة فيه أيضًا كاعتبارها في ضدّه السابق.
واستعمل اللاّم في الأوّل استعارة للنّفع لدلالتها على المِلك وإنّما يُملك الشّيءُ النّافعُ المدّخر للنّوائب، واستعيرت (على) في الثّاني للضرّ والتّبعة لأنّ الشّيء الضّارّ ثقيل على صاحبه يكلّفه تَعبًا وهو كالحِمل الموضوع على ظهره، وهذا معروف في الكلام البليغ، قال تعالى: {من عمل صالحًا فلنفسه} [فصلت: 46]، وقال: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها} [الإسراء: 15]، وقال: {وليَحْمِلُنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم}، ولأجل ذلك سمّي الإثم وزرًا كما تقدّم في قوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} [الأنعام: 31]، وقد جاء اللاّم في موضع (على) في بعض الآيات، كقوله تعالى: {إنْ أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسَأتم فلَهَا} [الإسراء: 7].
وفي الآية محسّن جناس الاشتقاق بين البصائر وأبصَر، وملاحظة مناسبة في الإبصار والبصائر.
وفيها محسّن المطابقة بين قوله: {أبصر} و{عمي}، وبين (اللاّم) و(عَلى).
ويتعلّق قوله: {لنفسه} بمحذوف دلّ عليه فعل الشّرط.
وتقديره: فمن أبصر فلنفسه أبصر.
واقترن الجواب بالفاء نظرًا لصدره إذ كان اسمًا مجرورًا وهو غير صالح لأن يلي أداةَ الشّرط.
وإنّما نسج نظم الآية على هذا النّسْج للإيذان بأنّ {لنفسه} مقدّم في التّقدير على متعلّقه المحذوف.
والتّقدير: فلنفسه أبصر، ولولا قصد الإيذان بهذا التّقديم لقال: فمن أبصر أبصر لنفسه، كما قال: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] والمقام يقتضي تقديم المعمول هنا ليفيد القصر، أي فلنفسه أبصر لا لفائدة غيره، لأنّهم كانوا يحسبون أنّهم يغيظون النّبيء صلى الله عليه وسلم بإعراضهم عن دعوته إيّاهم إلى الهدى، وقرينة ذلك أن هذا الكلام مقول من النبي صلى الله عليه وسلم وقد أومأ إلى هذا صاحب الكشاف، بخلاف آية: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7]، فإنّها حكت كلامًا خُوطب به بنو إسرائيل من جانب الله تعالى وهم لا يتوهّمون أنّ إحسانهم ينفع الله أو إساءتهم تضرّ الله.
والكلام على قوله: {ومن عمي فعليها} نظير الكلام على قوله: {فمن أبصر فلنفسه}.
وعُدّي فعل {عَمِيَ} بحرف (على) لأنّ العمى لمّا كان مجازًا كان ضُرًّا يقع على صاحبه.
وجملة: {وما أنا عليكم بحفيظ} تكميل لما تضمّنه قوله: {فمن أبصر فلنفسه ومن عمِي فعليها}، أي فلا ينالني من ذلك شيء فلا يرجع لي نفعكم ولا يعود عليّ ضرّكم ولا أنا وكيل على نفعكم وتجنّب ضرّكم فلا تحسبُوا أنّكم حتّى تمكرون بي بالإعراض عن الهدى والاستمرار في الضّلال.
والحفيظ: الحارس ومن يُجعل إليه نظر غيره وحفظُه، وهو بمنزلة الوكيل إلاّ أنّ الوكيل يكون مجعولًا له الحفظ من جانب الشيء المحفوظ، والحفيظ أعمّ لأنّه يكون من جانبه ومن جانب مَواليه.
وهذا قريب من معنى قوله: {وكذّب به قومك وهو الحقّ قل لستُ عليكم بوكيل} [الأنعام: 66].
والإتيان بالجملة الاسميّة هنا دقيق، لأنّ الحفيظ وصف لا يُفيد غيرُه مُفادَه، فلا يقوم مقامَه فعل حَفِظ، فالحفيظ صفة مشبّهة يقدّر لها فِعْل منقول إلى فَعُل بضمّ العين لم يُنطق به مثل الرّحيم.
ولا يفيد تقديم المسند إليه في الجملة الاسميّة اختصاصًا خلافًا لما يوهمه ظاهر تفسير الزمخشري وإن كان العلامة التّفتزاني مال إليه، وسكت عنه السيّد الجرجاني وهو وقوف مع الظّاهر.
وتقديم {عليكم} على {بحفيظ} للاهتمام ولرعاية الفاصلة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}.
أوضحَ البيانَ وأَلاَحَ الدليلَ، وأزاحَ العِلَل وأنارَ السبيلَ، ولكن قيل:
وما انتفاعُ أخي الدنيا بمقلته ** إذا استوت عنده الأنوارُ والظُّلَمُ

. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}.
وبصائر جمع بصيرة، والبصيرة للمعنويات والإشراقات التي تأبى في القلوب كالبصر بالنسبة للعين، والكون يعطيكم أدلة الإبصار، والقرآن يعطيكم أدلة البصائر، فكما أن الله هدى الإنسان فحذره ونهاه عن المعاصي ومنحه النور الذي يجْلي له الأشياء فيسير على هدى فلا يرتطم ولا يصطدم، كذلك جعل المعنويات نورًا، والنور الأول في البصر يأخذه الكافر والمؤمن، وكلنا شركاء فيه مثله مثل الرزق، لكن النور الثاني في البصائر يأخذه المؤمن فقط، ولذلك يقول ربنا: {لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} [الحديد: 9].
وهو نور الهداية في بصائر المعنويات، فيوضح: أنا خلقتكم خلقًا ووضعت لكم قوانين لصيانتكم. فقانون الصيانة في ماديات الدنيا للمؤمن والكافر، وقانون الصيانة في معنويات الحياة خاصة للمؤمن.
وهو القائل: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: 40].
ونعلم أن البصائر من المعنويات والمجيء للأمر الحسّي؛ كقولنا: جاء زيد أو جاء عمرو ولك أن تتصور البصائر وهي تأتي، قال الحق: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} [المائدة: 15].
إنه سبحانه قد أعطانا نورا صحيحا واضحا وهو يأتي إلينا بمشيئته.
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} أي أنها بلغت من تكوينها أنها أصبحت كانها أشياء محسّة تجيء، ولا يصح أن تقولوا إنها لم تصلكم لأنها تجيء من الرب الذي خلقنا بقدرته وأمدنا في كل شيء بقيّوميته، ومن لوازم الربوبية أن يعطي ما يهدي، وقد حكم الله أن البصائر جاءتنا، وحكم بأن رسوله قد بلّغ؛ فسبحانه أعطى لرسوله، والرسول ناولنا، فالحق قد شرع ورسوله قد بلغ وبقي أن تؤدوا ولا عذر لكم من المشرع الأعلى الذي خلق وهو الرب. ولا من المبلغ المعصوم وهو الرسول.
ويقول الحق تبارك وتعالى: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104].
ولله المثل الأعلى، نجد الولد يدخل البيت فيجد أمه ويقول لها: ماذا أعددت لنا من طعام؟ فتقول: لا شيء. فيقول الابن: لقد بعث أبي اللحم والأرز والخضار، فكأنه يقول لها: أين عملك يا أمي؟
وربنا سبحانه يوضح: أنا خلقتكم، وعملت لكم قانون صيانة، وأرسلت لكم رسولًا ولا تعرفون عنه أنه صادق في بلاغه، وأدى هذه الرسالة، لذلك فالباقي من المسألة عندكم أنتم، وكل واحد عليه أن يؤدي ما عليه من عمل، إن أبصر فلنفسه، وإن عمى فعليها. فإياكم أن تفهموا أني كلفتكم بما يعود عليَّ في ذاتي، ولا ما يزيد من سلطاني شيئا؛ لأن خيرها لكم أنتم، ولا آمن على التشريع ممن لا يفيد من التشريع؛ لأن من يستفيد منه قدر يشرّع لمصلحته، أما الحق فهو مأمون على التشريع لأنه غير منتفع به.
يقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104].
ولأن الرسول عليه البلاغ فقط والحق قد حفظه وعصمه من الكفر وهو يبلغكم المنهج، وقد خلق الله كل إنسان مختارا وهو بهذا الاختيار يُدخل نفسه في الحكم أو يخرج نفسه من الحكم، وسبحانه لم يبعث الرسول جبارًا بل بعثه رحيمًا؛ لذلك يقول الله في حق رسوله صلى الله عليه وسلم: {وما أنا عليكم بحفيظ} والحفيظ من أسماء الله، وهو الحفيظ لأنه شرَّع ليحفظ الخلق ويريد أن يجعلهم على مثال حسن واعٍ. والرسول هو المبلغ والحق يقول: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45].
إذن فكل واحد حر يدخل نفسه في الحكم أو يخرج نفسه من الحكم. وقد حارب الرسول ليحمي الاختيار بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام تجد بعضًا من سكانها قد ظلوا على كفرهم ولم يرغمهم أحد على الإيمان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}
وإنما ذُكر الفِعْلُ لشيئين:
أحدهما: الفصل بالمفعول.
والثاني: كون التأنيث مَجَازِيًا.
والبَصَائِرُ: جمع بَصِيرَة وهي الدلالة التي توجب إبصار النفوس للشيء ومنه قيل للدَّمِ الدال على القتيل مبصرة والبصيرة مُخْتَصَّةٌ بالقلب كالبَصَرِ للعين، هذا قول بعضهم.
وقال الراغب: ويقال لقوة القلب المُدْرِكة: بَصِيرَةٌ وبَصَرٌ قال تبارك وتعالى: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] وقال تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} [النجم: 17] وتقدَّم تحقيق هذا في أوائل سوة البقرة.
وأراد بالبَصَائِرِ الآيات المتقدمة، وهي في نَفْسِهَا لَيْسَتْ بَصَائِرَ إلا أنها لقوتها وجلائهَا تُوجِبُ البصائِرَ لمن عرفها، ووقَفَ على حَقَائِقهَا، فلما كانت سَبَبًا لحصول البَصَائِرِ سميت بالبَصَائِرِ.
قوله: {مِنْ ربِّكُمْ} يجوز أن يتعلَّق بالفعل قبله، وأن يتعَّق بمحذوف على أنه صِفَةٌ لما قبله، أي: بصائر كائنة من ربكم و{من} في الوجهين لابتداء الغاية مَجَازًا.
قوله: {فَمَنْ أبْصَرَ} يجوز أن تكون شَرطيَّةً، وأن تكون مَوصُولةً فالفاء جواب الشَّرطِ على الأوَّلِ، ومزِيدَةٌ في الخبر لشبه المْصُولِ باسم الشرط على الثُّانِي، ولابد قبل لام الجرِّ من مَحْذُوفٍ يَصِحُّ به الكلام، والتقدير: فالإبْصَارُ لِنَفْسِهِ، ومَنْ عَمِيَ فالعَمَى عليها، فإلإبصار والعَمَى مُبْتَدآنِ، والجارُّ بعدهما هو الخَبَرُ بعدهما هو الخَبَرُ، والفاء دَاخِلَةٌ على هذه الجملة الواقعة جوابًا أو خبرًا، وإنما حُذِف مُبْتَدؤها للعلم به، وقدَّر الزجاج قريبًا من هذا فقال: فلنفسه نَفْعُ ذلك ومن عَمِيَ فعليها ضَرَرُ ذلك.
وقال الزمخشري: فَمْنْ أبصر الحق وآمن فلنفسه أبصر وإياها نفع، ومن عمي فعليها، أي: فعلى نفسه عَمِي، وإياها ضر.
قال أبو حيَّان: وما قدَّرناه من المصدر أوْلَى، وهو فالإبصار والعمى لوجهين:
أحدهما: أن المَحْذُوفَ يكون مفردًا لا جملة، والجار يكون عُمْدَةً لا فَضْلَةً، وفي تقديره هو المحذوف جملة، والجار والمرجور فَضْلَة.
والثاني: وهو أقوى، وذلك أنه لو كان التقدير فِعْلًا لم تدخل الفاء سواء كانت شَرطيَّةً أم موصولة مشبهة بالشرط؛ لأن الفعل الماضي إذا لم يكن دُعَاءً ولا جَامِدًا، ووقع جوابُ الشَّرطِ أو خبر مبتدأ مُشَبَّهٌ بالشرط لم تدخل الفاءُ في جواب الشرط، ولا في خبر المبتدأ لو قلت: من جاءني فأكرمته لم يَجُزْ بخلاف تقديرنا، فإنه لابد فيه من الفاء، ولا يجوز حذفها إلا في الشعر.
قال شهاب الدين: وهذا التقدير الذي قدَّرهُ الزمخشري سبقه إليه الكَلْبِيُّ، فإنه قال: فَمَنْ أبصر صَدَّق وآمن بمحمد عليه الصلاة والسلام فنلفسه عمل ومَنْ عمي فلم يُصَدِّقْ فعلى نفسه جَنَى العذاب وقوله: إن الفاء لا تَدْخُلُ فيما ذُكِرَ قد يُنازعُ فيه، وإذا كانوا فيما يَصْلُحُ أن يكون جوابًا صريحًا، ويظهر فيه أثَرُ الجَازِمِ كالمُضارعِ يجوز فيه دُخُولُ الفاء نحو: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} [المائدة: 95] فالماضي بدخولها أوْلَى وأحْرَى. اهـ.